السبت، 1 أكتوبر 2011

كيف دخل الإسلاميون للعمل الوطني العام ؟


أخرجت ثورة 25 يناير التيار الإسلامي في مصر، بفرقه المختلفة، من دائرة الحظر والقمع إلى دائرة الضوء والقانون، وأتاحت له فرصة تاريخية للمساهمة في العمل العام. ومن ثمار هذا التحول الظهور القانوني لأحزاب سياسية بمرجعية إسلامية، واسقاط القيود على الإسلاميين، وظهور وسائل إعلام واعدة، منها هذه الجريدة التي شرفت بتلقي دعوة الكتابة فيها برغم عدم انتمائي للحزب الذي يصدرها.
التحدي التالي والأكبر من مجرد كسر القيود ووجود كيانات قانونية هو الاندماج الفعلي لهذا التيار في العمل العام والمساهمة في بناء مصر. وأتصور هنا أن هناك أكثر من جبهة أمام ناشطي هذا التيار، سأتحدث اليوم عن جبهة العمل الوطني مع مؤسسات الدولة والأحزاب والقوى الليبرالية واليسارية، على أن أتحدث لاحقا، بإذن الله، عن جبهة العمل داخل التيار ذاته.
على الإسلاميين التعامل مع غيرهم من التيارات دون الشعور بأنهم (أي الإسلاميين) أمة من دون الناس. فالإسلاميون جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن، وهم جزء من مسلمي مصر الذين يشكلون نحو 95 في المائة من السكان. ولابد هنا من توضيح عدة أمور:
أولا: أن الهدف الذي لابد أن يُجمع عليه المصريون، إسلاميون وغير إسلاميين، في هذه اللحظة التاريخية هو بناء مصر القوية في كافة المجالات وعلى الأخص: النظام السياسي وحماية الحريات والتعددية والقضاء المستقل، الاقتصاد الوطني وما يرتبط به صناعة وزراعة ومواصلات وخدمات، والهُوية العربية والإسلامية وما يتصل بها تعليم وثقافة وإعلام وغيرها. الأولوية لابد أن تعطى لهذه الأمور الملموسة التي تخلق إنسانا مصريا جديدا، وتحافظ على كرامته، وتمكنه من التصدي للقضايا الأكبر لاحقا. أما وضع القضايا الأكبر على الأجندة الوطنية الآن فسيؤدي إلى اختلاف القوى السياسية وانقسام الشارع، كما أن حسم هذه القضايا يحتاج إلى أوضاع مواتية من الناحيتين السياسية والاقتصادية ومن ناحية مكانة مصر بين الدول. سُنة التدرج ضرورة حاكمة في بناء الأمم ونهضتها.
ثانيا: كان على الإسلاميين في ظل النظام السابق واجب النضال من أجل حريتهم، أما الآن فواجبهم أهم وأخطر، إذ عليهم أن يُسهموا مع القوى الوطنية الأخرى في التصدي لمهمة بناء مصر ووضعها على الطريق المؤدي إلى نهضتها دون تصور أنه يجب عليهم الإنفراد بهذه المهمة ودون إعادة إنتاج ممارسات النظام البائد من إقصاء وإستعلاء وتضخيم للذات. أخطاء التيار الإسلامي في السابق كانت تعود عليهم هم فقط في معظم الحالات، أما أخطاؤه الآن فستعود على مصر كلها، بل وستنعكس على الدول العربية، فالوضع الجيوسياسي لمصر يحتم عليها التأثير في محيطها العربي والافريقي. على إسلاميي مصر تقديم نموذج يحتذى به في دول الجوار. 
ثالثا: لا يجب أن يتصور الإسلاميون أن برامجهم فقط هي التي ستحقق مصالح مصر والمصريين. فقبول العمل السياسي العام في أيامنا هذه معناه، من جملة ما يعني، أن الجميع يتنافسون من أجل تحقيق المصلحة العامة للمصريين، على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والسياسية. والتنافس يعني أن هناك تعددا في الرؤى والبرامج والوسائل، وأن الحقيقة المطلقة لا يمتلكها أي تيار بما في ذلك التيار الإسلامي. والمعيار الحاكم في المستقبل هو مدى واقعية برامج الإسلاميين، وغير الإسلاميين، ومدى قدرتها فعلا على تحقيق المصلحة العامة، والممارسة وحدها هي التي ستحكم بين هذه البرامج. على الإسلاميين الإنفتاح على الجميع والتواصل معهم وبناء جسور من الثقة والتعاون والدخول في تحالفات وإئتلافات على أرضية واحدة مشتركة هي المصلحة العامة لمصر والمصريين.
رابعا: وبرامج الأحزاب الإسلامية برامج بشرية تعكس فهْم قطاع من المسلمين لمرجعيتهم الإسلامية ولا تعني الإسلام ذاته، وبالتالي لا يجب أن يتصور أي فريق إسلامي أنه يقدم لمصر الإسلام في شكل برامج سياسية، وإنما هو يقدم لهم برامج سياسية مستمدة من فهم هذا الفريق للقرآن والسنة. ولهذا تتعدد الأحزاب داخل التيار الإسلامي ذاته. كما لا يجب تصور أن مواقف النشطاء الإسلاميين هي المواقف الصحيحة على طول الخط. فهناك حركات سياسية محسوبة على التيار الإسلامي فشلت خارج مصر، كما أن تحركات بعض الإسلاميين في مصر شابها الكثير من أوجه القصور والخطأ قبل ثورة 25 يناير. وسبل النجاح في العمل السياسي تتطلب الرجوع إلى الخبراء والمستشارين، والإستماع إلى النقد بل وممارسة النقد الذاتي.
خامسا: مجالات العمل العام وخدمة المصلحة العامة في مصر بعد الثورة لا تنحصر في المجال السياسي فقط. فبعد أن انكسرت القيود، فتحت الأبواب أمام كل أوجه العمل الخيري والدعوي والمجتمعي بشكل عام. ولهذا أتصور أن الباب لابد أن يفتح لمبادرات وتحركات وطنية يشرف عليها هذا التيار بمفرده أو بالتعاون مع غيره من التيارات ومن رجال أعمال شرفاء ومؤسسسات الدولة وغيرها.
وفي اعتقادي أن الأهم هنا هو الاستثمار في بناء الإنسان المصري الجديد، أي في العقول وفي التعليم. وقد اقترحت في مناسبات متفرقة ضرورة تبني القوى الإسلامية، وغير الإسلامية، إقامة صناديق وقف أهلية لإدارة وتمويل خطط مدروسة لابتعاث الشباب المصري للخارج للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والقانون والإعلام والإدارة، فنهضة الأمم تحتاج بشدة إلى هؤلاء بجانب علماء الهندسة والطب والكيمياء والفيزياء، وتحتاج إلى دفع الشباب إلى السفر والدراسة بالخارج والتفاعل الواعي مع حضارات الشرق والغرب وامتلاك أدوات التغيير الحضاري. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق