السبت، 1 أكتوبر 2011

كيف ندعم الديمقراطية بمفهوم إسلامي ؟

للإجابة عن السؤال عنوان المقال نورد أمور ثمانية:  
أولا: لمعظم مفاهيم العلوم الاجتماعية والسياسية مضامين ودلالات متباينة بتباين السياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وتختلف باختلاف رؤى الباحثين وقناعاتهم. والديمقراطية كمفهوم وكنظام سياسي ليست استثناءً من هذه القاعدة، فلها معان كثيرة تبدأ من المعنى الحرفي لها (أي حكم الكثرة أو الشعب) والذي لم ير النور في أي مكان عبر التاريخ نظرا لتنوع أساليب ممارسة الحكم من الأسلوب المباشر  كما في بلاد اليونان القديمة إلى الأسلوب غير المباشر أو ما يسمى الديمقراطية التمثيلية أو النيابية. كما اختلفت معان كلمة الشعب، فعند اليونانيين القدامي كانت تعني طبقة الأحرار فقط، وهذه نظرة عنصرية بمقاييس زماننا هذا، كما لم يمتلك السود ولا المرأة الحقوق السياسية في أوروبا وأمريكا حتى القرن العشرين. وتعني كلمة كلمة الشعب الآن كل المواطنين الراشدين بلا تمييز على أي أساس كان.   
ثانيا: الديمقراطية، كنظام للحكم، تتصل بشق المؤسسات في النظام السياسي الذي يُعرف بأنه مجموعة من المؤسسات السياسية الرسمية (أي التشريع والتنفيذ) مرتبطة بالمرجعية العليا للمجتمع أي بقيمه العليا ومبادئه الأساسية وأولويات مجتمعه. ولهذا فالديمقراطية ليست – كما يظن البعض- عقيدة سياسية أو مذهب سياسي وإنما هي نظام سياسي يستهدف أمرين أساسيين، هما: تقييد سلطة الحكام والحد من احتمال تعسفهم في استخدام السلطة، وصيانة كرامة الأفراد وحرياتهم وحقوقهم. والديمقراطية تحقق هذا بوضعها عددا من الأطر الدستورية والقانونية والترتيبات المؤسسية والقواعد السياسية، تشكل مجتمعة ما يطلق عليه النظام الديمقراطي.
والمؤسسات الديمقراطية بهذا المعنى تأتي إعمالا للمرجعيات، وبالتالي فليس من المتصور لهذه المؤسسات أن تخترق المرجعيات العليا وقيم المجتمع. ولهذا لا يمكن تصور أن الكونغرس الأمريكي يمكنه أن يصدر قانونا يتعارض مع المبادئ الليبرالية التي تشكل المرجعية العليا.   
ثالثا: لا يوجد نظامان ديمقراطيان متطابقان، فللديمقراطية جوهر شبه ثابت يشكل خصائصه العامة المشتركة في معظم الدول الديمقراطية الحالية، أما تفاصيل كل نظام فيعتمد على أوضاع كل دولة، يأتي على رأسها المرجعية العليا للدولة والقيم والثقافة السائدة وأولويات المجتمع في لحظة تاريخية محددة.
رابعا:  الخصائص العامة المشتركة للديمقراطية هي: 
بدلا من شخصنة الحكم وتحكم فرد أو مجموعة أفراد، تفصل الديمقراطية بين المجالين العام والخاص وتحول الحكم إلى وظيفة لها قواعدها وضوابطها، يتولاها من يرى في نفسه القدرة على الحكم وتختاره جموع المواطنين. وهذا هو معنى أن الشعب مصدر السلطة أو السيادة الشعبية. ولتطبيق هذا المبدأ -الذي يهتم بالأساس بمن يحكم وكيف يحكم- تم تطوير عدد من المؤسسات والآليات والقواعد المتصلة بشروط ومؤهلات الحكام (ونقصد بطبقة الحكام هنا كل المسؤولين بدءا من رئيس الدولة ونواب البرلمانات وحتى أصغر موظف منتخب في المحليات، وعدد هؤلاء في أميركا أكثر من خمسمائة ألف مسؤول منتخب)، وبحدود مسؤولية كل مسؤول، وبكيفية اختيار الحكام واختيار هيئات تمثيلية يشارك الشعب عبرها في السلطة، وبكيفية مراقبة الحكام ومحاسبتهم وإقالتهم عند الضرورة، وبقواعد عملية اتخاذ القرارات وصنع السياسات وتقويمها وسبل تنفيذها وتعديلها عند الضرورة.

بدلا من الحكم بالهوى، استندت الديمقراطية إلى مبدأ حكم القانون، أي وجود دستور مسبق يخضع له الحكام والمحكومون ويتساوون أمامه (الحكم الدستوري). ولتطبيق هذا المبدأ كان لا بد من وجود عدد من المؤسسات والآليات والضوابط في دستور ديمقراطي فعال ومطبق، يأتي بالتوافق بين كافة القوى السياسية والاجتماعية، ويتضمن آليات لتحييد الولاءات المذهبية والطائفية والعرقية والقبلية، وقواعد لاختيار الحكام ومحاسبتهم وإجراءات لاتخاذ القرارات والسياسات، وأدوات للرقابة السياسية والقضائية والقانونية والمالية والإدارية، وضمانات للفصل بين السلطات واستقلال القضاء وانصياع سلطتا التشريع والتنفيذ لأحكامه، وضمانات لعدم خضوع الهيئات المنتخبة لنفوذ هيئات غير منتخبة كالمؤسسات العسكرية أو الأمنية.

تمكين المواطنين من المشاركة السياسية الفعالة. ويقتضي هذا المبدأ آلية انتخابات ديمقراطية بضمانات حقيقية لكي تكون الانتخابات فعالة (بمعنى أن تؤدي وظائفها الحقيقية)، وحرة (أي تحترم السلطة الحريات والحقوق الأساسية)، ونزيهة (أي تتسم إدارة الانتخابات بالشفافية والحياد بجانب دورية الانتخابات). كما تحتاج المشاركة ضمانات للتداول على السلطة كتحديد مدة الرئاسة، وضمانات لوجود معارضة فعالة في البرلمانات، وضمانات للتعددية السياسية والحزبية ولحرية الصحافة والإعلام. هذا بجانب ضرورة احترام حق تقرير المصير وعدم الخضوع لأي نفوذ أجنبي كي لا تتكرر مأساة الانتخابات الفلسطينية والعراقية تحت الاحتلال.

بدلا من التمييز بين الناس على أي أساس كان، انتهت الديمقراطية إلى فكرة مساواة جميع البشر في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الالتزام بالواجبات (مبدأ المواطنة). ويستلزم هذا المبدأ عددا من الضمانات الدستورية والقضائية والسياسية، وأهمها استقلال القضاء وقيامه بدور الرقابة القضائية، بجانب ضمانات لتساوي الفرص أمام الجميع واعتماد مبدأ الكفاءة في التعيينات واختيار المسؤولين وفي الترقيات.
خامسا: تبني الديمقراطية في أي دولة هي عملية بناء لنظام سياسي، وليست عملية نقل نظام جاهز من الخارج. فالديمقراطية كنظام للحكم ليست كجهاز الحاسب الآلي يمكن استيراده ككتلة واحدة من الخارج، وإنما يتم الأمر عن طريق بناء النظام بخصائصه المتعارف عليها وتطوير واختيار التفاصيل التي تناسب أوضاع كل مجتمع، مع الأخذ في الاعتبار مرجعية الدولة، أي قيمها العليا وأولويات المجتمع واحتياجاته. هذا ما فعله قادة الهند (منذ أكثر من 60 عاما) وماليزيا (منذ أكثر من 50 عاما) وقادة ونخب أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وبعض الدول الآسيوية والافريقية، عندما ارتفعت هذه القيادات والنخب إلى مستوى المسؤولية وفهموا جوهر الديمقراطية وتطورها وخصائصها ووظائفها ثم قاموا بعمليات مواءمة وقدموا مقاربات فكرية استفادت من منجزات الشعوب في أساليب الحكم والديمقراطية دون أن تتجاوز أولويات مجتمعاتهم وثقافاتهم المختلفة. والناتج هو وجود نظم حكم ديمقراطية تقود هذه البلدان اليوم نحو النهضة والتقدم.
سادسا: الديمقراطية ليست منتجا غربيا صرفا كما يعتقد البعض، فصحيح أنها كنظام سياسي تطورت في الدول الغربية الليبرالية، إلا أنه ثبت نجاحها أيضا خارج الغرب وضمن مرجيعات أخرى كما حال ماليزيا والهند واليابان وأمريكا اللاتينية. والديمقراطية منتج إنساني شاركت الكثير من الحضارات في إنجازه، ولها جذور في الفكر الإغريقي والروماني قبل الميلاد، وفي الحضارة الإسلامية أيضا. غير أنه إحقاقا للحق فإن للدساتير والأنظمة الغربية الحالية الفضل في بلورة النظام الديمقراطي وابتكار الكثير من المؤسسات والآليات التي ساهمت في وضع جوهر الديمقراطية موضع التطبيق.
سابعا: النظام الديمقراطي ليس النظام الأمثل، ولكنه أقل الأنظمة سوءا، وأفضلها في الحد من استبداد الحكام، وأكثرها توفيرا لآليات محاسبة المسؤولين المقصرين. ولا يوجد نظام ديمقراطي مكتمل الأركان يصلح لكل دول العالم، والديمقراطية لا يمكن استيرادها دون مراعاة للأوضاع الداخلية لكل مجتمع.
ثامنا: للديمقراطية أشكال مختلفة (مباشرة، شبه مباشرة، تمثيلية أو نيابية رئاسية أو برلمانية أو شبه رئاسية، وهناك الديمقراطية التوافقية..)، وهي (كما كل المؤسسات والقواعد) قابلة للتعديل والتطوير لتلائم أهداف كل مجتمع وأولوياته. ومن العيوب التي يجتهد الكثير من السياسيين الغربيين وغير الغربيين في إيجاد حلول لها نفوذ المال السياسي والعصبيات في الانتخابات، ودور اللوبيات وجماعات الضغط، وسيطرة الشركات الكبرى.
والسؤال هو هل تتعارض الديمقراطية بمعناها السالف الذكر مع الإسلام. تحتاج الإجابة مقال منفصل بعون الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق