تصاعُد الأحداث في سوريا يكشِف أوراق التُّوت لحجم التخاذُل العربِيِّ والإسلامي لإخوانِهم من أبناء دير الزور وإدلب ودرعا وحماة وحلب وحمص ودمشق؛ حيث إنَّ هذه الخيول التي لم تصهل يومًا في اتِّجاه الجولان لتحريرها بل تَتَّجه إلى صدور أبنائنا في سوريا؛ محاصَرةً، وقتلاً، وتهديدًا، وهتكًا للأعراض في جرائم مزرية؛ ليس للعرب والمسلمين فقط بل في حقِّ الإنسانية كلها.
وإذا كانت حماة قد خرَج منها 600 ألف ضدَّ النظام السوري وهي محافظة واحدة فهذا العدد يساوي 4 ملايين من المصريين إذا حَسَبْنا النسبة والتناسُب بين سكان سوريا ومصر، وخروج أهل دير الزور في الميدان بهذه الكثافة الكبرى يدلُّ على أنَّ النظام السوري قد سقط بالفعل لدى جماهير سوريا، وصور الدبابات والقوافل العسكرية التي تُحاصِر دير الزور وتحركت مئات الكيلوات ما بين المدن السورية دون أن يتعرَّض لها أحد، إنَّ هذا ليرهق كل إنسان عندما يتصوَّر مشاعر شعب يجوع في رمضان وتقطع عنه الماء والكهرباء وتُسْلَب المحلات التجارية حتَّى يموت الشعب صبرًا أو قهرًا، فمن لم يَمُت بالسيف مات بغيره.
إنني أتقلَّب على جمرِ صرخاتِ وصيحاتِ وأنينِ الأطفال الجوعَى، والنساء اللاتِي يتعرَّضْن للاغتصاب، والشباب والرجال الذين يتعرَّضون لأبشع أنواع التعذيب وإجبارهم على السجود لصورة بشار والنطق بكلمة الكفر الصراح: (لا إله إلا بشار).
إنَّ ما يجري قد تَجَاوز كلَّ الخطوط الحمراء، ولم يعد أحد يستطيع أن يُحْصِي حجمَ القتل والدماء؛ فالتقدير المبدئيُّ أنَّ هناك مائة شهيد على الأقل يوميًّا، وإنني أتساءل بحزنٍ عميقٍ: أين التيارات الإسلامية بثِقَلِها الكبير في مصر والدول العربية والإسلامية من هذه القضية؟
أحسب أن الخطوات التي تَمَّت حتى الآن لا تزيد عن منهجية "تَحِلَّة القسم" أو "ذرًّا للرماد في العيون"، وأين دور العلماء خاصَّة وهم يُصَلُّون في رمضان بآيات عن الأخوَّة الإسلامية وهم يقرأون في القرآن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]؟
وماذا سيقول علماؤنا لله تعالَى عندما يسألهم الله عن كتمان العلم وإظهار الإنكار على أنظمتهم التي تَصمُت صمتَ الشيطان الأخْرَس على هذه الجرائم، وإذا كانت دول الخليج قد سارَعَت في خطوة تُذْكَر وتُشْكَر لإنقاذ مملكة البحرين من المشروع الجهنمي الطائفي؛ فهل لا تستحقُّ سوريا من درع الجزيرة أن ينزل مساندًا لهذا الشعب المسكين الذي يتعرَّض لأبشع عناصر الشَّبِّيحة والأمن والجيش بقيادة "جزار الأسد"، وما زلتُ لم أفهم طول صَمْت النظام التركي الذي يشترك مع سوريا في 850 كيلو، واقتصر الدور على رعاية الهاربين من جحيم النظام الذي يَصْدُق فيه قول الشاعر:
أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافِرِ
ثُمَّ هل لا يزال د. نبيل العربي، الأمين العام للجامعة العربية، يرَى ما أعلنه من قبل أنَّ النظام السوري يسعى لإصلاحات "جادة" أم أنَّه يسعى لإبادةٍ كاملةٍ لشعبه أمام أعين العالم!.
أما التخبُّط الأوربي والأمريكي وروسيا والصين فهم لا يحسبون أبدًا مصالح الشعوب المطحونة من أنظمةٍ ساندوها بالعُدَّة والعتاد والثناء والإطراء والترقُّب والشجب الذي لا يغنِي عن الشعب الأسير في سوريا شيئًا! ولم يَعُد يكفي استدعاء السفير السوري في العواصم العربية أو الأجنبية، بل يجب طرد السفراء السوريين التابعين لهذا النظام، وتنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك في جامعة الدول العربية وفتح الحدود مع الشعوب كي تُسانِد إخوانهم من أهل سوريا بالغذاء والكساء والدواء والوقوف إلى جانبهم؛ إحساسًا بأزمتهم،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكَى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
كما أدعو المجامع الفقهية أن تَسْتَشْعِر خطورةَ القضيةِ؛ فدمُ مسلمٍ عند الله أشد من حرمة الكعبة، وقتل شخص- لا شعب- جريمة يهتزُّ له عرش الرحمن؛ حيث قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
وقد اجتمع مجمع البحوث الإسلامية من قبلُ ليفتِي في مسألة بناء الجدار الفولاذي لعزل إخواننا في غزة عن العالم؛ فهل يجتمع اليوم لعزل النظام السوري عن شعبه المطحون، ويجتمع دومًا مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي أو لمنظمة المؤتمر الإسلامي لقضايا فرعية لا تساوِي في مجموعها أحداث يوم واحد في سوريا أو ليبيا أو اليمن، والقاعدة تقول: ((إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة)).
ويجب أن نكشف المستور عن حكم الله تعالَى في الأنظمة التي تسكت على جرائم جزّار الأسد، ومجنون اليمن، فلم تَعُد تكفي البيانات والخطب أمام هدير الدبابات وأزيز الطائرات وطلقات المدافع وتتابُع القنابل التي تسقط كالسيل الهادِر على هذه الشعوب العُزَّل، ولا يفوتني أن أستحِثَّ علماء سوريا في الداخل أن ينزلوا بعمائمهم وسط الشعب، وقد كنت في ميدان التحرير أتتبع كل عمامة لشيخ من شيوخ الأزهر لأقبِّل رأسه وأقول له: "أنت هنا بألف رجل".
أما أنتم أيها الشعب السوري من إخواننا وبناتنا، فثِقُوا بالله ناصرًا ومعينًا، وإنَّ تَخَلَّى العالم كله عنكم إلا أنَّكم أنتم الرجال والأبطال، وعدوُّكم من جحافل الأسد هم الأخِسّاء والأنذال، وسينزل غضب الله عليهم ليس فقط للقتل والسفك، وإنما لأنَّ هؤلاء تألَّهوا وصاروا مثل قوم عاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق