من المتفق عليه بين المسلمين أن خطبة الجمعة شُرعَت لتذكير الناس بما نسوا من أمر دينهم، وتنبيههم على ما غفلوا عنه، وتعليمهم ما جهلوا منه، وإرشادهم لما فيه صلاحهم، ووعظهم لترقيق قلوبهم؛ فكل أولئك من مقاصد خطبة الجمعة.
وإذا نزلت بالناس نازلة لها مساس بدينهم أو دنياهم فإن خطباء الجمعة من جملة مَن يُهرَع الناس إليهم، ويريدون رأيهم فيها؛ حتى إنهم يفرحون بتطرُّق الخطيب للنازلة، وينزعجون من تجاهله لها؛ ولذا فإنه لا بد للخطيب من العناية بفقه النوازل، وكثرة القراءة فيه، والتأمل الكثير في النازلة، وسؤال أهل العلم والاختصاص بها، وعرض تأملاته تجاهها عليهم، وأخذ ما لديهم من علم ومعرفة بها مما ليس عنده.
وهذه المقالة تحاول استقراء النوازل التي تهم الخطباء، ولها مساس بخطبة الجمعة، وتقسيم هذه النوازل باعتبارات عدة، مع مقترحات لكيفية تعامل الخطيب معها؛ فإني لم أقف على من عالجها على هذا النحو الذي أرى أن الخطيب يحتاجه رغم تعدد البحوث والمقالات في النوازل.
أقسام النوازل باعتبار مصدرها:
تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: النوازل الكونية التي لا يد للبشر فيها: كالزلازل والأعاصير والفيضانات ونحوها.
القسم الثاني: النوازل التي وقعت بسبب البشر: كالحروب، ونشر الأوبئة، والتلاعب الاقتصادي والبيئي ونحو ذلك.
أقسام النوازل باعتبار انتشارها:
تنقسم إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: نوازل محدودة: كالتي تصيب بلداً أو طائفة من الناس، مثل الزلازل التي تصيب بلداً فهي نازلة بالنسبة لمن أصابتهم.
القسم الثاني: نوازل محلية وإقليمية: وهي التي تصيب أهل دولة أو إقليم كامل، مثل سقوط قيمة العملات في شرق آسيا قبل سنوات، ومثل كارثة الأسهم في دول الخليج وخاصة في المملكة العربية السعودية.
القسم الثالث: نوازل دولية: وهي التي تعم الدول، ويتأثر بها أكثر البشر، مثل موجة الغلاء التي اجتاحت العالم، ومثل أنفلونزا الخنازير التي دخلت أكثر الدول.
أقسام النوازل باعتبار أنواعها:
أظن أنه لا يمكن حصر أنواع النوازل؛ إذ بالإمكان أن تكون النازلة في أي مجال من المجالات، ولكن يمكن وضع تقسيم كلِّي أغلبِي تندرج تحته أكثر النوازل:
النوع الأول: نوازل كونية: كالزلازل والفيضانات والغرق.
النوع الثاني: نوازل سياسية: كاحتلال بلد مسلم، أو تقسيمه، أو فصل بعضه عنه.
النوع الثالث: نوازل اقتصادية: كالكساد والغلاء.
النوع الرابع: نوازل بيئية وصحية: مثل تلوث الأجواء والبحار، وانتشار وباء في بلد من البلدان.
النوع الخامس: نوازل إعلامية وثقافية: فإن البث الفضائي، وشبكة المعلومات، وما يعرض فيها من فحش وعري وأفكار هدامة يعد من النوازل العظيمة.
أقسام النوازل باعتبار زمنها:
يمكن تقسيمها إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: نوازل وقتية (أو مداها قصير): كالزلازل والبراكين والفيضانات ونحوها، وهذه لا بد للخطيب من معالجتها؛ لأن وقتها يفوت، وإذا أتى بها في غير وقتها كان تأثيرها في الناس ضعيفاً؛ فمثلاً إذا وقع زلزال، ورأى الناس آثاره وضحاياه في الشاشات، ونقلت إليهم قصص الناجين والمصابين، وحجم الدمار وعدد القتلى فإنهم يتأثرون بذلك، ويخافون أن يصيبهم ما أصاب غيرهم، فعلى الخطيب أن يهتبل هذه الفرصة؛ لقرب الحدث، واستعداد المصلين للتأثر الإيجابي بما يلقيه الخطيب عليهم.
القسم الثاني: نوازل مرشحة لزمن أطول؛ مثل الحروب التي تمس المسلمين، والأوبئة، والأزمات المالية، وهذه تحتاج إلى أكثر من خطبة في معالجتها؛ لأنه يغلب على الظن أنه تمتد إلى أشهر وربما جاوزت ذلك إلى سنوات.
القسم الثالث: النوازل المزمنة، وهي التي تمتد إلى عقود، وأوضح مثال عليها احتلال اليهود لبيت المقدس، كما كان احتلال الصليبيين له نازلة امتدت تسعين سنة في القرنين الرابع والخامس الهجريين، ولم يهدأ للمسلمين بال حتى طهروه من رجس الصليبيين. وكان للعلماء أثر كبير في تهييج الأمة ضد العدوان الصليبي آنذاك، وكانت خطب ابن نباتة - رحمه الله تعالى - دافعاً شحن نفوس الناس وعواطفهم لمقاومة المد الصليبي؛ ولذا فإن من أهم وسائل العدوان الغربي وذيله الليبرالي العربي تكثيف الهجوم على الدعوة والدعاة والمحاضرات والمنابر؛ لإضعافها عن القيام برسالتها في تنمية الحس الإسلامي تجاه قضايا الأمة، وتخدير المسلمين، وإماتة شعورهم تجاه قضاياهم، والقضاء على كل وسيلة تحفزهم لمقاومة العدوان على الإسلام والمسلمين.
والدعوة الليبرالية للانكفاء على الأوطان، وعدم الاهتمام بشأن المسلمين هو من ضمن مشروع إماتة إحساس المسلمين بقضاياهم؛ ليستفرد الأعداء بهم دولة دولة. والليبراليون أُجَرَاء في المشروع الاستعماري الصهيوني والصليبي؛ لأنهم يسوِّقون له تحت دعاوى نشر الحرية، ويطعنون في مقاوميه متهمين إياهم بأنهم ضد الحداثة والتنوير، ويدعون القيادات السياسية للانكفاء على مصالح الوطن بل مصالح الذات، وهذا يمثل انتحاراً سياسياً؛ لأن الاجتماع قوة، والتفرق ضعف، وإذا أمن الأعداء من معارضة الدول الإسلامية لاحتلال بعض البلدان شجعهم ذلك على احتلالها كلها.
وفي النوازل التي تطول أقترح ما يلي:
أولاً: عدم إهمالها بسبب طول أمدها، ولا حصر الخطبة فيها على حساب موضوعات أخرى؛ فإن النازلة مهما عظمت فليست كل شيء.
ثانياً: من سمة النوازل التي يطول أمدها أن أحداثها تشتعل بين حين وآخر، فيناسب أن يكون الحديث عنها حال اشتعالها بسبب حادثة وقعت أو تطور طرأ فيها.
ثالثاً: في مثل هذه النوازل يحتار كثير من الخطباء في الحديث عنها؛ لأن غالب موضوعاتها مكرورة، وقد سئمها الناس من كثرة الحديث عنها، وإن جعل الخطيب الخطبة في السبب الذي حرك النازلة أو الحدث الذي استجد فيها ربما انقلبت خطبته إلى تحليل سياسي، وهذا ليس جيداً في خطبة الجمعة التي ينبغي أن يحافظ الخطيب على سمتها الشرعي؛ ولذا فإنه لا بد من موضوع مفيد يكون أصلاً للخطبة له تعلُّق بالنازلة، وفي أثنائه أو بعده يعرج الخطيب على الحدث المتجدد في النازلة.
وما من نازلة إلا ولها جوانب عدة يمكن للخطيب أن يتناول في كل مرة جانباً من هذه الجوانب؛ ليجدد على الناس فلا يسأموا موضوع النازلة، وليفيدهم بجوانب منها ما كانوا يعلمونها من قبل.
فمثلاً: قضية فلسطين التي تمثل أطول نازلة معاصرة يستطيع الخطيب أن يتحدث في سلاسل من الخطب عن: فضل القدس، وعن فتحه، وعن تاريخه، وعن صفات اليهود في القرآن والسنة، وعن تاريخهم وأفعالهم مع رسلهم - عليهم السلام - وعن أفعالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأحداثهم في السيرة النبوية، وعلاقتهم بالنصارى وتاريخهم معهم، وهذه الموضوعات الكلية يمكن تفتيتها إلى عشرات الخطب، وتكون أصلاً للخطبة التي سيتناول الخطيب النازلة فيها.
توجيهات عامة في النوازل:
التوجيه الأول: أن لا يتكلم الخطيب في النازلة إلا بعلم؛ سواء في ما يتعلق بها من أحكام شرعية، أو في الإخبار عنها، أو في إرشاد الناس لما يعملونه حيالها؛ فليست خطبة الجمعة مقالة في صحيفة أو مجلة يبث فيها الكاتب آراءه الشخصية، بل هي عبادة مشروعة، وتكتسب مصداقية عند الناس، فلا يحسن بالخطيب أن يهز هذه المصداقية، أو يستغل المنبر لبث آرائه الشخصية وهي لا تتسق مع النصوص، مع اشتراط امتلاكه للآلة العلمية في النازلة، فالخطأ يكون بسبب الجهل أو بسبب الهوى، فَلْيحذرهما الخطيب.
التوجيه الثاني: إذا استعصى على الخطيب فهم النازلة، أو تنزيل الأحكام الشرعية عليها؛ لشدة التباسها، وكثرة الخلاف فيها فلا يحسن به إهمالها بالكلية، وعليه أن يتلمس فيها مواضع الاتفاق، ومواطن العبرة والاتعاظ، وحينئذٍ لم يهمل النازلة بالكلية والناس يتشوفون لكلامه فيها، ولم يقل فيها بلا علم، ولعل أقرب الأمثلة على ذلك الثورات العربية التي اختلف فيها الناس اختلافاً كثيراً؛ فمنهم من أيدها بإطلاق، ومنهم من منعها بإطلاق، ومنهم من أيد بعضها ومنع بعضها باعتبار حال الحكام أو باعتبار حال المحكومين أو باعتبار من يحرك الثورة، أو باعتبار المستفيد منها... إلخ، وأحداث بهذه الضخامة هي حديث الإعلام والناس لا يحسن بالخطيب الإعراض عنها لحيرته فيها، وإنما يستطيع التطرق لما هو متفق عليه فيها مثل:
1 - قدرة الله - تعالى - في إعزاز من يشاء، وإذلال من يشاء، وأنه مالك الملك يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء.
2 - عاقبة الظلم والأثرة، وأنهما سببان لاضطراب الدول، واختلال الأمن.
3 - أهمية العدل في توطيد الأمن والاستقرار، وحاجة الناس إليه.
4 - عاقبة الظالمين ومصارعهم في الدنيا والآخرة.
5 - كثرة الفتن والاضطراب في آخر الزمان، وما ينبغي للمسلم في أحوال الفتن.
6 - أسباب الأمن والاستقرار، وأسباب الخوف والاضطراب.
التوجيه الثالث: أن يفرق الخطيب في تناوله للنازلة بين بدايات وقوعها، وبين انتشارها وعموم البلوى بها؛ ليكون ذلك أدعى لقبول توجيهه للناس؛ فإن المعاصي يُنسِي المتأخر منها المتقدمَ حتى يألفها الناس، وإن الفتن يرقق بعضها بعضاً كما في الحديث، ومن الأمثلة على ذلك نازلة البث الفضائي؛ ففي بداياته حذر العلماء والخطباء من الأطباق الفضائية وحرَّموها، وهو تحريم وسائل لا تحريم ذوات؛ فإنها لما كانت تفضي إلى المحرمات ولا يوجد بدائل من جنسها كان الصواب التحذير من جميعها، ولو وجد فيها قليل من البرامج النافعة؛ وذلك لغلبة المحرم فيها.
لكن لما نشأت القنوات الإسلامية، ووجدت قنوات علمية خيرها غالب، وشرها قليل، وقد انتشر هذا البلاء في الناس وصار جزءاً من حياتهم اليومية لم يكن من المناسب في الخطب إطلاق تحريم البث الفضائي وأطباق استقباله أو إطلاق تحريم التلفزيون، وهذا التناول سيكون محل استهجان وانتقاد عند أكثر العامة والخاصة، وهذا يؤدي إلى عزوف الناس عن الخطيب، وعدم قبول قوله، فتكون الاستفادة من خطبة الجمعة قليلة أو معدومة، وهذا ينافي مقاصدها التي شرعت لأجلها.
وأفضل من ذلك وأحرى بقبول الناس وبتحقيق المقصود دون تنازل عن شيء من الشريعة أو تسويغ المنكرات: التحذير من القنوات التي فيها انحراف فكري أو أخلاقي، أو التحذير من برامج منحرفة، ودعوة الناس إلى حجبها عن أسرهم وبيوتهم، وحثهم على الفضائيات النافعة للاستعاضة بها عن الضارة.
التوجيه الرابع: إن كانت النازلة فيها يد للكفار والمنافقين كالحروب التي يفتعلونها، أو الأزمات الاقتصادية التي يحدثونها في بلاد المسلمين فهي فرصة للخطيب في بيان العداوة الأبدية التي يكنُّها الكفار والمنافقون للمؤمنين، كما دل على ذلك كثير من الآيات القرآنية كقول الله - تعالى -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْـحَقُّ} [البقرة: 109]، وقوله - تعالى -: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقوله - تعالى -: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51]، وقوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١].
وفي بيان كيدهم للإسلام وأهله، ومكرهم بهم قول الله - تعالى -: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّـذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} [الرعد: ٣٣]، وقوله - تعالى -: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْـجِبَالُ} [إبراهيم: 46]، وقوله - تعالى -: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: ٢٢]، وقوله - تعالى -: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 18]، وقوله - تعالى -: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إلاَّ فِي ضَلالٍ} [غافر: 25]، وقوله - تعالى -: {إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} [الطارق: 15].
وفي وجوب الحذر منهم قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71]، وقوله - تعالى -: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكَ} [المائدة: 49].
التوجيه الخامس: اجتهاد الخطيب في الربط على قلوب الناس وتثبيتهم، وتعليق قلوبهم بالله - تعالى - ودوام التمسك بدينه؛ وذلك في النوازل المخوفة التي لها مساس بأمن الناس وأرزاقهم، كما في النوازل السياسية والاقتصادية، ونوازل الكوارث والأمراض والأوبئة التي تفتك بالناس؛ فإن العقول تطيش فيها، وينحرف كثير من الناس بسببها في باب القدر، من هول الفاجعة، وفقد المال والأهل والولد، فيحتاجون إلى تثبيت وتصبير، وعلى الخطيب أن يركز الخطب في التوكل على الله - تعالى - وتعلق القلوب به وحده دون مَن سواه، وبيان الحِكَم في ابتلاءاته - سبحانه - لعباده، وكيف يواجهها المؤمن، والأجور العظيمة المرتبة عليها، وأسباب رفع العقوبات، وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا النوع من النوازل مما تمس حاجة الناس إليه كأحكام الموت الجماعي في التغسيل والدفن والتوارث ونحو ذلك.
والفقه في هذا النوع من النوازل مما تمس حاجة الخطيب له؛ لتكرار وقوعه، وشدة خوف الناس منه، وعودة كثير منهم إلى الدين بسببه، ولجوئهم إلى المساجد والخطباء لعلاج قلوبهم من الألم والخوف، ولأهمية هذا النوع من النوازل فلا بد من توجيهات تفصيلية فيه، ومن هذه التوجيهات:
أولاً: بيان أن هذه الكوارث والنوازل عقوبات لمن أصابتهم وكانوا ممن يستحق العقوبة، وابتلاء لمن لا يستحقونها، ورحمة وإنذار لمن سلموا منها، وتخويف لعموم الناس، وإظهار لقدرة الرب - جل جلاله - عليهم. قال الله - تعالى -: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وهذا دليل على القدرة الباهرة لله - تعالى - أن يجعل في النازلة الواحدة رحمة وعذاباً وابتلاء وتخويفاً وإنذاراً.
وقد تصيب الكارثة مسلمين عقوبة لهم، ويسلم منها كفار ومنافقون؛ استدراجاً أو إمهالاً أو ابتلاء للعباد؛ فإن الحق والباطل، والإيمان والكفر، ابتلاء يبتلي الله - تعالى - به عباده.
والناس في هذا الباب ثلاث فرق:
الفريق الأول: ينفي العقوبة في الأقدار الكونية، بل ربما جرَّدها من أفعال الرب - سبحانه وتعالى - ونسبها للطبيعة، أو يعزو تسليط الكفار على المسلمين، أو تسليط المسلمين بعضهم على بعض إلى عوامل سياسية أو اقتصادية ملغياً الأبعاد الدينية والعوامل الشرعية، وهذه طريقة الملاحدة ومن وافقهم من العلمانيين والليبراليين، وللأسف فإن بعض من ينتسبون للتيارات الإسلامية أصابتهم هذه اللوثة المنتنة، فعجبوا من كون هذه الكوارث تصيب المسلمين، أو تصيب الضعفة والفقراء، وأهل الفساد من أهل الغنى في منأى عنها، ومنهم من يتطاول فيزعم عدم وجود نص على ذلك، رغم توارد النصوص عليه حتى بلغت التواتر، ومنها: قول الله - تعالى -: {أَوَ لَـمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، وقوله - تعالى -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقوله - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وقوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: ٤٤]، وقوله - تعالى -: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} [هود: ١٠١]، وقوله - تعالى -: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِـمِينَ} [الزخرف: 76]، وقوله - تعالى -: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: ٣٣] .
والغالب أن أصحاب هذا الاتجاه يحكِّمون عقولهم القاصرة في أقدار الله - تعالى - ويوردون على الناس ما علق في قلوبهم من شبهات، ويظنون أن أفعال الرب - سبحانه - لا بد أن تتوافق مع أفهامهم الخاطئة، ومدركات عقولهم القاصرة، فيقولون: لماذا تقع هذه المصائب على المؤمنين ويسلم منها الكافرون؟ ولماذا تصيب الضعفاء ولا تصيب الأقوياء؟ وهل من المعقول أن يسلم أهل الفساد العقدي والأخلاقي والإداري والمالي منها، وتصيب الكارثة ضحايا هذا الفساد ولا يد لهم فيه؟ كما قالوه في نازلة غرق جدة.
الفريق الثاني: يجزم بالعقوبة في كل حدث ويركز عليها، ويهمل جوانب الابتلاء والرحمة والتخويف والإنذار، بل يبالغ بعضهم في ذلك فيقع في أخطاء فاحشة تؤخذ عليهم، وفي إعصار كاترينا سمعت أحد الدعاة في مسجد يفتتح موعظته بقول الله - تعالى -: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} [الرعد: 31] ويجزم بأن مثل هذه الأعاصير المدمرة لا تصيب المسلمين لإيمانهم، بل هي مختصة بديار الكافرين، ونسي أن تسونامي قد أصاب بلداً مسلماً، وأن الزلازل كانت ولا زالت تدهم كثيراً من بلاد المسلمين كما تصيب الكافرين، ومثل هذا الحديث المجافي للواقع يفقد الخطيب المصداقية.
الفريق الثالث: فريق التوسط والاعتدال، الذين عندهم أصول شرعية يستندون إليها، ولا يحكِّمون عقولهم في أقدار الله تعالى، ومن هذه الأصول العظيمة: أن الله - تعالى - لا يظلم أحداً، وأن أفعاله - سبحانه - بين العدل والرحمة، ورحمته تسبق غضبه، ويؤمنون أن البشر كلهم مستحقون لعذاب الله - تعالى - لأنهم مقصرون في شكر الله - تعالى - ويكفرون نعمه - سبحانه - عليهم على تفاوت بينهم في ذلك، وقد جاء في الحديث:«كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لو أَنَّ الله عَذَّبَ أَهْلَ سماواته وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غير ظَالِمٍ لهم»[2]. وروى أَبِو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَوْ يُؤَاخِذُنِي اللهُ وَابْنَ مَرْيَمَ بِمَا جَنَتْ هَاتَانِ يَعْنِي الإِبْهَامَ وَالَّتِي تَلِيهَا لَعَذَّبَنَا ثُمَّ لَمْ يَظْلِمْنَا شَيْئًا»[3].
ثانياً: عدم الجزم بكرامات لم يقف عليها الخطيب بنفسه، أو تكون مما هو معتاد فيضخمها الناقل ويزيد عليها، خاصة في قصص الناجين؛ لأن الغرائب في قصص الناجين قد تقع للمسلم والكافر، والبر والفاجر، ولا تختص بأهل البر والتقوى لحِكَم يريدها الله تعالـى. وما يخفـى علينا من أسـرار أفعـال الله - تعالى - ومقاديره في البشر أكثر مما نعلم. وقد يجزم الخطيب بكرامة في نازلة فيذكر الخصوم مثلها للكفار فيكون في ذلك فتنة للناس، وأذكر في إعصار تسونامي أن أحد الدعاة الفضلاء نشر صورة لمسجد لم يمسه شيء من الدمار، وانتشرت الصورة في الإنترنت، فنشرت صحيفة علمانية صورة لكنيسة لم تُصَب أيضاً فكان في ذلك فتنة لبعض الناس، ففسر بعض الدعاة ذلك فقال: لأن الكنائس مكان عبادة الله - تعالى - وتعظيمه فلعلها لم تصب لأجل ذلك! وغفل هذا الداعية عن كون الكنائس مقراً للشرك بالله - تعالى - وعبادة المسيح وأمه عليهما السلام. وسبب الوقوع في هذا الخطأ الشنيع هو التكلف في تلمس الكرامات، والجزم بها.
ثالثاً: الاستدلال بالنازلة على قدرة الله - تعالى - وقوَّته، وأنه - سبحانه - إن أهلك بعض مـن حلت بهـم الكـارثة فهـو - سبحانه وتعالى - قادر على أن يهلك البشر أجمعين، وأن يبدل بهم غيرهم كما قال - تعالى -: {إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 133]، وقال - تعالى -: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْـمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة: 17]، وقال - تعالى -: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام: 133]، وقال - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْـحَقِّ إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ 19 وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 19 - 20]، وقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ 15 إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ 16 وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 15 - 17]، وقال - تعالى -: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْـمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ 60عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة: 60 - 61]، وقال - تعالى -: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} [الإنسان: 28].
وفي قدرته - سبحانه - على عباده. قال - تعالى -: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، وقـال - تعالى -: {وَإنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 95].
رابعاً: التخويف من الذنوب وآثارها السيئة على الأفراد والجمـاعات، وأنها سـبب كل مصيبة تحل بالناس؛ لقـول اللـه - تعالى -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقوله - تعالى -: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وهذا قانون رباني، وسنة قدرية أن الله - تعالى - لا يصيب العباد إلا بما اقترفوا من العصيان.
خامساً: دعوة الناس إلى التوبة ومحاسبة النفس؛ فإن أثر النازلة لا يزال في قلوبهم، ويخشون أن يصيبهم ما أصاب غيرهم، مع بيان أن التوبة والاستغفار والدعاء أسباب لرفع العذاب كما قال الله - تعالى - في التوبة: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَـمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْـخِزْيِ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلَى حِينٍ} [يونس: 98] وقال - سبحانه - في الاستغفار {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣] وقال - تعالى - في الدعاء: {فَلَوْلا إذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 43].
سادساً: تلمُّس لطف الله - تعالى - ورحمته بعباده، ونعمته عليهم، حتى على المصابين منهم؛ إذ لم يكن الأمر أشد مما أصابهم، والله - تعالى - قادر على أن يصيبهم بما هو أشد وأعظم وأكثر خسارة وضرراً، وتذكير الناجين من النازلة ومن لم تصبهم بنعمة الله - تعالى - بالنجاة.
سابعاً: دعوة الناس إلى مواساة أهل النازلة إن كانوا من المسلمين، والوقوف معهم مادياً ومعنوياً لتخفيف مصابهم، وإشعارهم بالأخوة الإيمانية. والدعاء لهم على المنابر تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم لما دعا على المنبر لما نزلت نازلة الجدب والحاجة بالناس، ثم دعا على المنبر أخرى لما غرقت الأرض وتضرر الناس.
ثامناً: إذا كانت النازلة مما له تعلُّق بتغيُّر الأحوال الكونية فهي فرصة للتذكير بيوم القيامة، وما يجري فيه من تغيرات في الكون جاءت أوصافها في كثير من السور كالواقعة والقيامة والتكوير والانفطار والانشقاق وغيرها.
تاسعاً: إن كانت النازلة كارثة نزلت بقوم ظهر طغيانهم، ومحادتهم لله - تعالى - واستعلاؤهم على البشر، وأذيتهم لهم، فمن المناسب الحديث عن عاقبة المجرمين، ومصارع الظالمين. قال الله - تعالى - في قوم نوح: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُنذَرِينَ} [يونس: 73] وفي آية أخرى {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّـمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِـمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفرقان: 37]، وقال - تعالى - في قوم صالح: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 50 فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ 51 فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 51 - 52]، وقال - تعالى - في قوم لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 84]، وقـال - تعالى - في فرعون وجنده: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 103] وفي آية أخرى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِـمِينَ} [القصص: 40]، وقال - سبحانه - في عموم المكذبين من الأمم الخالية: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِـمِينَ} [يونس: 39]، وفي آية أخرى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ 71 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ 72فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُنذَرِينَ} [الصافات: 71 - 73]، وفي ثالثة: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ} [الزخرف: 25].
ففي هذه الآيات يأمرنا الله - تعالى - بالنظر في نهايات الظالمين - سواء ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي أو ظلموا غيرهم بأذيتهم لهم، والأغلب أن كلا نوعي الظلم يجتمع في الكافرين - وفائدة النظر في مصيرهم مجانبة طريقهم الذي أرداهم، والحذر من أعمالهم التي أوبقتهم، فتأسياً بالقرآن في التذكير بمصير الظالمين ينبغي للخطيب أن يبين للناس عاقبة الظلم بأنواعه في الكوارث التي تحل بالظالمين.
عاشراً: التنبيه على ما يقع من أخطاء في التناول الإعلامي للكوارث والنوازل؛ فإن أكثر الإعلاميين من أجهل الناس بالعقيدة والشريعة، وأجرئهم على الكلام بلا علم أو بهوى، فتتسرب أقوالهم الخاطئة إلى العامة، ومن أخطائهم المتكررة:
1 - نسبة الحوادث الكونية إلى الطبيعة، أو تعليقها بأسباب مادية دون ربط ذلك بقدر الله - تعالى - وقدرته؛ كتفسير الزلازل بتصدعات في الأرض، والفيضان بمد البحر، ونحو ذلك.
2 - وصف من قضوا في النوازل الكونية بأنهم أبرياء، وهذا يشعر بأنهم مظلومون، ولازم ذلك أن من فعل بهم ذلك قد ظلمهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
3 - في النوازل التي تصيب الكافرين - خاصة الدول المستكبرة - ينبري أبناؤها البررة لها، العاقون لأمتهم للوقوف معها أكثر من وقوفهم مع كوارث أوطانهم - رغم تشدقهم بالوطنية - فينقلبون إلى وعاظ ومفتين يقررون عدم الفرح بمصاب الآخرين - وهم الذين يفرحون دوماً بمصاب المسلمين ويشمتون بهم - ومنهم من يتعدى على الله - تعالى - في ربوبيته؛ فيزعمون أن أولئك القوم لا يستحقون الكوارث؛ لأنهم أهل الحضارة والتقدم، ولخدماتهم للإنسانية - حسب قولهم - ولحاجة البشر إليهم، ومنهم من يجاوز ذلك فيقرر أن الدول المتقدمة قادرة على مواجهة عشرات الكوارث مهما كان حجمها، في لغة تأليهية لبعض البشر، يتحدَّون بهم رب العالمين جل جلاله، نعوذ بالله - تعالى - من الزيغ والضلال.
وهنا ينبغي للخطيب التنبيه على هذه التجاوزات، وبيان الحكم الشرعي في موقف المسلم منها، ومواجهة المد الإلحادي المادي المستهين بعظمة الله - تعالى - وقدرته، وتكون مواجهته برد دعاوى أصحابها، وغرس تعظيم الله - تعالى - في القلوب.
حادي عشر: بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالنازلة، مثل التعامل مع شهداء الغرق والهدم ونحوه في الدفن وفي المواريث وغيرها، وخاصة في البلد الذي وقعت فيه الكارثة؛ لأن لفقه النوازل مناسبته في الديار التي أصيبت به.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق