الاثنين، 19 سبتمبر 2011

هل تحول المسار إلى فوضى خلاقة ؟

أوراق وكر الجواسيس الصهيوني (المخزن أو المقر) وهي تتطاير في الهواء أمام سفارتها لاشك أنه أسعد الكثيرين، غير أن النظر إليها في سياق "الفوضى الخلاقة" التي تطل برأسها الكالح في مصر وتشمل العديد من عمليات العنف والاضطرابات يشي بمخاطر شديدة على المسار الانتخابي وعلى حلم دولة القانون والحرية والاستقرار ببلدنا..

لم تكن جمعة التصحيح التي أقيمت قبل 18 يوماً فقط من آخر موعد للإعلان عن بدء الحملة الانتخابية البرلمانية بريئة عن تهمة تعويق الالتزام الدستوري الذي تعهد بإمضائه المجلس العسكري، سواء أكان المعنيون بالجمعة يدركون ما يصنعون أم يجهلون، والآن نحن إذا ما قطعنا شوطاً طويلاً في هذه الفوضى سندخل في النهاية في نفق استبدادي مؤلم تحوطه تخوفات بانطباق التعريف الغربي الأممي لـ"الدولة الفاشلة" علينا.


عملياً لا يمكن أن تدرج هذه الأحداث مهما كانت مبرراتها إلا في سياق تأزيم الموقف الداخلي والخارجي لمصر، والذي يراد أن ينجم عنه غالباً تأجيل الانتخابات التي كان مزمعاً أن تبدأ حملتها الانتخابية بعد أسابيع، وقد يبدو الأمر منطقياً بالنسبة للبعض الذين لا يتوقعون إقامتها في موعدها أن تنفجر مثل هذه الاضطرابات عن عمد قبل مدة وجيزة من الاستحقاق الانتخابي، وينظمونها في سلسلة من العراقيل التي وضعت أمام حركة الثورة المصرية وانطلاقتها التقدمية، ومنها على سبيل المثال تفجير الملف الطائفي، والإثني، والمذهبي، والأيديولوجي، وإطلاق أيدي البلطجية، والسكوت عن أعمال الميليشيات الإبريلية التي تحاول أن تذهب بهوية الدولة وتوجهاتها الأصيلة إلى مناحٍ لا تتفق مع تطلعات الشعب المصري.


وثمة خط طويل تكونه أعداد لا متناهية من تلك العراقيل التي تدعم وجهة نظر قائلة بأن إجراء الانتخابات في موعدها ستقف دونه أحداث الأمس المتنوعة، والتي نقلت الاضطرابات إلى وجهات متنوعة، وقفزت بها نوعياً في مرحلة غالباً ما سوف لن تكون الأخيرة، من حيث الرقعة الجغرافية، والتي امتدت لأول مرة من التنوع داخل القطر المصري نحو تدويل بعض مشاكلها الداخلية منذ تنحي مبارك، غير أن وجها آخر مشرقاً قد يبدو مطلاً على مصر تعززه ـ إن نجحت في ذلك ـ قدرة التيارات الإصلاحية المصرية في حشر الميليشيات "الثورية" الإبريلية في خانة أعداء الديمقراطية والاستقرار والأمن، وهو ما يمكن أن ينعكس ردة اهتزازية ضد القوى المعرقلة للمسار الانتخابي؛ فالأحداث التي بدت مدبرة بشكل يفوق بكثير قدرة فاعليها على التخطيط، ويعضد فكرة ارتوائها من نهر معلومات متدفق يوجهها إلى اتجاهين واضحين، تدفع فيهما بيد نحو وصول بعض قياداتها إلى سدة الحكم بطريقة لا تستند إلى تفويض شعبي، وبالأخرى تحول دون وصول الآخرين إليه بطريقة مشروعة وديمقراطية، وهي إن أخفقت في الأولى فستستميت في الثانية لأهداف تحفظها العواصم الغربية جيداً.


والردة الانعكاسية هذه، يمكن بلورتها في الإفادة من هذا الزخم الجماهيري العريض، والرأي العام الرافض لهذه العبثية، وإدخال مصر في نفق الفوضى والزحف نحو "الدولة الفاشلة" دون مبررات حقيقية، وبتسلسل لا منطقي، وهذا الزخم سيناله كل من يريد إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها والإبحار بمصر نحو الاستقرار والنهضة.


وعلى القوى الإصلاحية أن تدرك أنها مدعوة للتحرك الآن أكثر من أي وقت نحو هدف وحيد لا يرفع الطيبون غيره مطلباً لهم، ولا يحيدون عنه قيد أنملة في تلك المرحلة الدقيقة التي لا ينبغي أن ينجرف الإصلاحيون فيها نحو عواطفهم، وإنما ما يحقق مصلحة مصر ويضمن أمنها واستقرارها، وهو لا سوى "إجراء الانتخابات في موعدها وبدء الحملة الانتخابية فوراً بعد أسبوعين من الآن"، ما يقطع الطريق على كل مغرض وكل متاجر بدم الشهداء أو بالثورة أو بمدنيتها (في مقابل العسكر).


إن الانكفاء الذاتي الآن، وانتظار "منحة الانتخابات" وإدمان الصمت، ورد الفعل، والطيبة الزائدة لن تفضي جميعها إلا إلى ضياع الحلم الحضاري النهضوي، وإن التحرك الإعلامي والميداني (ربما المليوني)، والمؤتمرات والدعاية الكثيفة لهذا المطلب وحده والمستند إلى إعلان دستوري ملزم لأهل الحكم ببدء المسار الانتخابي في موعد أقصاه أسبوعان من الآن، وإلقاء تلك القوى بكامل ثقلها من أجل تحقيق هذا الهدف الذي هو هدف كل مصري غيور على بلده في الحقيقة، هو الطريق الأقصر نحو إنجاح الثورة واستكمال أهدافها، وهو أمر واضح لغير المغرضين المعرقلين له بذرائع شتى.


هذا المنطلق الذي لابد أن يعيه المتنفذون الآن، الحريصون على مصلحة بلد عريق يمضي الآن بفعل الأبارلة إلى طريق مسدود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق