إن مرحلة المخاض الثوري الذي تعيشه مصر، فرصة تاريخية لمواطنيها لبناء دولة حديثة توفر لأبنائها مستقبلا أكثر إشراقا، و تتبوأ الدور المنوط بها في محيطها الإقليمي و الدولي.
لا يكفي في مرحلة مصر الراهنة نقد كل طرف لإيديولوجية المخالف "و إن كنا نعتقد أن هذا حق و واجب"، لكن يجب في نفس الوقت تقديم تصور مسئول لكيفية إدارة هذا الصراع الفكري بما يخدم مصالح الأمة.
من أهم عوامل النهضة تحقيق السِلْم الإجتماعي، فإن الإنسان لا يلتفت للإنتاج الفكري والمادي ما لم يتوفر له الأمن والإستقرار. و هنا لا نتكلم عن الأمن و الاستقرار الذي يمكن أن توفره الدول البوليسية، و المبني على القمع و الإرهاب؛ فيكون بذلك أمنا و إستقرارا ظاهريا يخفي في الأعماق تشرذمات و تجاذبات إجتماعية، ما أن يغيب القهر الأمني إلا و تطفو على السطح أو تنفجر.
السلم الاجتماعي الذي أتحدث عنه هو الذي يحقق الأمن المادي للأفراد وأيضا الأمن الفكري داخل سياج هوية جامعة، تعطي لأكبر نسبة ممكنة من المجتمع إمكانية تفجير طاقاتهم الإبداعية لخدمة مجتمعاتهم.
في سبيل تحقيق هذا الهدف تأتي هذه الدعوة للحوار الهادف لما فيه خير لركاب سفينة الوطن.
من أجل أن يكون هذا الحوار هادفا، كان من الطبيعي الابتعاد عن الرؤى الإزدواجية التي تتلخص في احتكار الفضيلة ورمي المخالف بكل رذيلة، و أيضا الابتعاد عن احتقانات كانت وليدة نظام قمعي سعى لضرب مكونات المجتمع بعضها ببعض.
عودة للعنوان لتحديد أطراف و نوع و إطار الصراع:
أطراف الصراع:
الطرف الأول : التيارات المسماة "إسلامية"، ونقصي منها كل المجموعات الانعزالية التي تعتقد أنها تحتكر الحق المطلق والعلاج التفصيلي المعصوم لكل مشاكل الحياة وتطوراتها، وأيضا الأطراف التي تسلم رقابها للمتغلب.
الطرف الثاني : التيارات اللبرالية، العلمانية، اليسارية، ...و نقصي منها التجمعات المنعزلة التي تعتقد أن لديها وصاية لتنوير المجتمع، عبر مصادمة ثوابته وقيمه، و التيارات التي ترتزق بمواقفها الإيديولوجية.
هذا التقسيم إجمالي، و إلا فإن هناك صراعات داخل كل التيارات صغيرة كانت أو كبيرة.
نوعية الصراع:
هل الصراع أمر إيجابي أم سلبي ؟
أقول أن الصراع قبل الحكم عليه بالإيجابية أو السلبية هو أمر قدري، لا يمكن لأي تجمع بشري الفرار منه. و لا ينفي الصراع الفكري و الخلاف إلا الأنظمة الشمولية التي تدعي وحدة فكرية تتلخص في قول فرعون:
"مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى "
لكن هذا الصراع الفكري لكي يكون منتجا لا بد أن يكون محددا بإطار، والكلام عن هذا الإطار سوف يأتي في الفقرة التالية. مصر تعيش حالة مخاض ثوري لم يسقط فيها النظام من طرف تيار إيديولوجي معين بإمكانه أن يضع بالتالي حدود الصراع الفكري. و لكنها مرحلة إنتقالية تتبلور خلالها بشكل تراكمي الظوابط التي سوف تؤطر جميع نشاطات المجتمع و خياراته في العقود القادمة.
شروط نجاح هذا المخاض لتفادي ارتداد النظام لسابق عهده، هي أن تتوافق القوى المسئولة برغم اختلافاتها الإيديولوجية على أمور فيها مصلحة الجميع:
ـ لا يُشترط لخوض الصراع أن يتنازل أي طرف عن ثوابته كيفما كانت.
ـ لا تُفرض نتيجة الصراع قبل خوضه، و إنما تكون النتيجة محصلة لأداء كل الأطراف، بحيث يفرض على كل طرف الإجابة على كل التناقضات التي تحفل بها الساحة السياسية و الاجتماعية بمصر، الأمر الذي سيمكنه من تحقيق النضج الفكري اللازم لإدارة مرحلة ما بعد المخاض.
ـ للمنهزم حق الرجوع للعزلة الفكرية لاستعادة قوته ومدافعة النظام من جديد، أو التفاعل مع الوضع الجديد للتأثير عليه من الداخل.
أكبر مشكل يمكن أن يقع فيه الجميع، أن يدخلوا في منهج توافقي يقوم على النفاق المتبادل، يفضي بالمجتمع إلى حالة من الجمود والركود السياسي كالحاصل في العراق ولبنان وغيرها من الأنظمة السياسية الفاشلة.
إطار الصراع: و هذا هو أهم محور، لأن ما تم ذكره سابقا هو أقرب لوصف الواقع منه لطرح فكري، و لا يعدو أن يكون مقدمة لبحث إطار الصراع.
فيما سبق قلنا إن الصراع سوف ينتج إطارا سياسيا يؤطر ويحدد إختيارات المجتمع في العقود القادمة، لكن هذا لا يعني أن الصراع سوف يتم بطريقة فوضوية!
لا، ففي كل الأحوال، فإن التجاذبات السياسية وأوراق الضغط لكل طرف ترسم تلقائيا نوعا من الإطار العام الذي تحاول كل الأطراف التلاؤم معه، لكن رغم ذلك بإمكاننا كقوى مسئولة أن نقلص بشكل أكبر إطار الصراع لكي يعود بالخير على المجتمع، و نجنب الوطن مخاطر الله وحده أعلم بها.
لذلك قمنا عند تحديد أطراف الصراع بإقصاء التيارات الغير مسئولة من الجانبين وهؤلاء الذين يسترزقون بأفكارهم من كل التيارات، ليبقى فقط المخلصين لفكرهم الذين يعتقدون من خلاله نصرة و تقدم أمتهم.
و المنزل يا زميلي الذي أدعوك للالتزام بجدرانه هو وطنك و وطني. اعلم يا زميلي أنك إن ذهبت والإسلامي لبلاد الغرب، فإن نظرة الاحتقار والتمييز سوف تتجه لكما جميعا. بل حتى النصراني المصري إن توجه للغرب فسوف يواجه نفس التمييز على "اللون" و "الهوية" و "الاسم"
فهذا الوطن أيها الزميل يشكل هويتك شئت أم أبيت، تنكرت له أم لا!
و هنا أتذكر جملة معبرة قالها ملك المغرب الهالك، عندما سئل عن شاه إيران، و هي نصيحة قدمها من خلال شاه إيران لكل العلمانيين و الليبراليين و اليساريين في بلداننا:
سأله صحفي فرنسي : "هل أنت رئيس دولة علماني؟"
أجاب : "لست رئيس دولة علماني لأن القانون الإسلامي ملتصق بجلودنا لا ننفك عنه، في الأمور الخاصة و العامة شئنا أو أبينا. و قال أن الشاه أكبر خطأ له يتمثل في طريقة تعامله مع الدين الإسلامي بنفس عقلية العلمانيين في أوربا مع الدين النصراني الذي تم اختزاله في المؤسسة الدينية، الأمر الغائب في التصور الإسلامي".
ما يهمني أن ألفت إنتباه زميلي العلماني إليه، هو الخطأ في استيراد ثقافات وافدة لاستنساخها بنفس الشكل في بلداننا مع الفارق الثقافي الهائل، فعندما أكلمك عن هذا الأمر أيها الزميل
وأنبهك إليه، فإن ذلك لكي تكون أكثر فاعلية وأكثر انسجاما مع المنهج العقلاني الذي تدعيه.
من هنا كانت نصيحتي لك أن تكون وطني بالمعنى الصحيح للكلمة، وأن تلتزم مع خصومك في الصراع بعوامل القوة الداخلية
ما هو الوطن الذي نتحدث عنه ؟
الصراع الذي أدعوك إليه يا زميلي سيكون على المستوى الفكري، فلزم منه أن نرتقي بالوطن عن التعريفات العرقية أو الترابية إلى مستوى "الهوية الجامعة"
فإن كنا نتكلم عن حظيرة لقطيع من الخرفان، فجاز أن نُعَرِّفهابمرعى و سياج و قطعان من فصيلة كذا.
في حالة بني البشر يجب أن نتكلم عن ثقافة وهوية غالبة وليس عن عنصر وحدود جغرافية وهنا أستغرب حقيقة عندما تستعمل وسائل الإعلام لفظة : "التيارات الوطنية و الإسلامية" ! و لا أعلم ما المصدر العلمي لهذه الجملة ؟
فهي توحي أن الليبرالية والماركسية والعلمانية جزء أصيل من هوية مصر، و أن تصوير الحركات الإسلامية هو الدخيل عن هذه الهوية! وليس بعد هذا تناقض!
و لذلك وجب علينا أنا و أنت أيها الزميل، أن نعلن صراحة تموضعنا بالنسبة للهوية الغالبة للمجتمع المصري. فذلك هو الإطار الذي ليس لك عنه محيد، إن أردت أن تكون براغماتيا، و تجنب نفسك العزلة.
فهذه الهوية هي ملك لك و ليست ضيعة خاصة للإسلامي، و لا أعتقده يدعي ذلك، فهلم لبلورة أفكارك داخل هذه الدائرة فتؤثر و تتأثر.
ما أدعوك إليه هو عين ما قامت به تيارات "التنوير" في أوربا، فهي انطلقت من هويتها النصرانية لتؤثر فيها من الداخل فتأثرت وأثرت فأنتجت ما أنت تحاول استنساخه خارج السياق. فرغم تأثر مفكري أوربا بالتراث الإسلامي، فلقد كانوا أوفياء لهويتهم وإن كان بعضهم ملحدين أو علمانيين، فقد لازموا العداء للإسلام و أهله، و م يشيروا في تاريخهم لما أخذوه عن المسلمين، بل هضموا الحضارة الإسلامية و قدموها لشعوبهم في بوتقة جديدة تنكرت للمسلمين وربطت أوربا بماضيها الروماني و اليوناني و لم يكن للمسلمين حظ في السند إلا بمرتبة المترجم!
فهل أنت تكون وفيا عندما تتنكر لهويتك الإسلامية، و توالي أعداء آبائك وأجدادك، و تمجد ثقافتهم و تريد استنساخها خارج سياقها ؟
هل من أسس العلمانية والليبرالية والماركسية ليسوا بشرا ؟ أليس بوسعك أن تقدم إنتاجا فكريا خاصا بك ينطلق من هويتك وتراثك؟ فنحن لسنا بصدد علم تجريبي مجرد عن السياق الثقافي، لكي تسلك معه مسلك التراكم الإنساني المعرفي!
قد يأتي زميلي و يقول لي أنت تتحامل على التيارات المسماة زورا "وطنية"..
أقول لك، يا زميلي كن صادقا مع نفسك، و قل لي ما هي مصادر القوة لكل تلك التيارات ؟
هل لديها مصدر قوة داخلي ؟
أجيبك : أكثرها رصيدها صفر
كل مصادر قوتها:
الاستقواء بالمواثيق الدولية
التعذر بالإكراهات الإقليمية
قولها :لا نعيش وحدنا في هذا العالم
التسويق لإيديولوجية خارجية ليس لهم نصيب منها سوى الترجمة، و في بعض الأحيان يغيب الاستعاب
الاعتماد على لوبيات إعلامية و إقتصادية
الارتكاز على دكتاتوريات مدعومة من الغرب
...
هل يمكن أن نقول بعد هذا إنها وطنية ؟
و لك يا زميلي أن تتعظ بتجارب الأحزاب البعثية اليسارية، أو بـ "أتاتورك" و "ابن علي العلمانيان"، أو بليبرالية مبارك المتوحشة ...هل حققوا مع كل ما توفر لهم من إمكانيات ووقت أي اختراق للمجتمع كما فعلت مثلا الحركات "التنويرية" في أوربا ؟
كل عاقل و حتى الغربيين، يجيبون : لا
ألا تتسائل لماذا الأنظمة التقليدية الملكية في الخليج و المغرب الأقصى و الأردن ... مع ما فيها من علات كانت أنجع في تكريس عروشها ؟
جواب ذلك من ملك المغرب الهالك المذكور آنفا: أعني عملها من داخل الهوية، و إن كانت تتعامل معها بجزئية وانتقائية لتكريس مصالح فردية و فئوية لكنها لا تتصادم معها.
أما التيارات الأخرى يا زميلي فهي وقعت في أخطاء قاتلة، سببها الاستنساخ البليد
فلا يمكن أن تستنسخ صراعا قام بين مؤسسة إقطاعية كنسية، و قوى حية شعبية في عالمنا الإسلامي
أتعلم لماذا يا زميلي ؟ لأن في عالمنا الإسلامي، العلمانية والليبرالية والماركسية قد ارتبطت في العصر الحديث بالدكتاتورية والشمولية والإيديولجيات العرقية العنصرية، فهذه التيارات التي تدعي "الحداثة" و "التحرر" في فاقدة لكل مصداقية، بينما حتى في عهد الملك العاضّ من تاريخ المسلمين، لم يكن الحكم شموليا بل كانت هناك توافقات بين طبقات مجتمعية و تشاور وإن لم يكن موسعا.
وجه آخر للاختلاف: التغيير الذي جاء في عصر النهضة، لم يكن تغييرا فجائيا جاء من فراغ أو عبر تدخل خارجي، وإنما جاء من الداخل، ففلاسفة "الأنوار" كانوا يجادلون من داخل الهوية ولم يكونوا ممولين من قوى معادية. النهضة إذاً كانت ثمرة لمعارك طويلة من الداخل.
أما كسالى "العلمانيين" و "الليبراليين" و "الماركسيين" في بلداننا، فلقد كان جهدهم مقتصرا على الترجمة. بل حتى نقد الهوية الذي يحاول بعضهم القيام به، فلا يزيد عن ترديد شبهات المستشرقين عن التراث الإسلامي، و الصور النمطية للغرب عن العالم الإسلامي
فعلى الأقل قلِّدوا فلاسفة ومفكري أوربا، الذين لم يطلبوا عون القوة العثمانية عندما كانت تنصب لهم الكنيسة المشانق وتنكل بهم. بل خاضوا معركة داخلية و ظلوا أوفياء للهوية كما قلت رغم الصراعات الداخلية. فلقد نشر العلمانيون النصرانية في مستعمراتهم ليس بالضرورة لإعتقادهم صحتها، و لكن لتكون الشعوب تابعة لهم، ولا يزالون يمارسون نفس الخطة ليومنا هذا
لكن علمانيي البلدان الإسلامية يحاربون هويتهم لصالح هوية المستعمر!
فلو كانوا يسوقون للحضارة الصينية
لقلنا : الصين لم تكن لها طموحات لتصدير ثقافتها خارج حدودها، و لكان الأمر أهون
لكن الزملاء في بلدنا يسوقون لهوية، نحن معها في صراع دائم منذ أكثر من 1400 سنة!
هل علمت أيها الزميل لماذا أطالبها أن تكون وطنية ؟
و هل علمت لماذا لم تتجذر هذه الأفكار الواردة في المجتمع ؟
نقطة خلاف أخرى تعيق الاستنساخ:
أن في أوربا كان الصراع مع مؤسسة لها سلطة فوقية على المجتمع، فكان من السهل إحداث الفجوة عبر إفقادها لمصداقيتها و فصلها عن المجتمع. بينما ليس لديك هذه السلطة العمودية في الإسلام، فالإسلام ينتشر في المجتمعات بشكل أفقي، لا يمكن أن تحصره في أفراد و لا جماعات. لذلك يستحيل عليك القيام بالفصل بينه وبين المجتمع أو تطويعه. و هذا ما اعترف به أرباب العلمانية في فرنسا مؤخرا، عندما فشلوا في إستحداث "إسلام فرنسي" كما صنعوا من قبل "نصرانية على مقياسهم" إبان الثورة الفرنسية، على الرغم من كون المسلمين هناك أقلية مستضعفة إجتماعيا و معرفيا.
نقطة خلاف أخرى:
أن النهضة الأوربية كانت لها مصداقية على الأقل من حيث تحقيق التمكين المادي لشعوبها، على أعدائها التقليديين ": العالم الإسلامي."
بينما الحركات التحديثية في العالم العربي والإسلامي، منذ أن بدأت بذورها في النمو، مع حملة نابوليون على مصر عبر المشاريع القومية العنصرية قد ارتبطت صورتها بالإندحار المادي لشعوبها، ولم تحقق هذه الحركات إلا مزيدا من الإذلال و التبعية، دون تحقيق أي تقدم مادي يذكر.
لا أقول لك كل هذا يا زميلي حبا في الهجوم عليك، و لكن أدعوك لتكون براغماتيا إن كنت محبا لأمتك و وطنك، و لكي تتصالح مع ذاتك و تفتخر بها.
كما يفتخر العلماني الجمهوري في فرنسا، بنصرانية بلاده و بملوكها و بكل تاريخها حتى الإستعماري.
قد يقول لي زميلي المخالف:
عن أي هوية تحدثني ؟
مصر ليس لها هوية واحدة: فهي خليط بين الهوية "الفرعونية" و "الفارسية" و "اليونانية" و"الرومانية" و"القبطية" و"العربية الإسلامية"
أقول له : إن كنت تتكلم في التاريخ، يكون كلامك صحيحا، أما في السياسة فلا يمكن أن تكون هويتك خليط متناقض : لذلك يتكلم الناس عن "الثقافة المتغلبة"، وعليها تقوم حضارات البلدان
إن ذهبت لفرنسا و سألته : ما هوية بلدك ؟
هل سيقول لك : "وثنية"، "رومانية"، "نصرانية"، "إسلامية"، "ملكية"،" جمهورية"، "علمانية" ؟
لا : سيذكر لك : "الهوية المتغلبة"، و يقول لك : جمهورية علمانية بجذور نصرانية
يمكن أن تقول له : إسمح لي، هناك من 6 إلى 10 بالمائة من المسلمين أين موضعهم في الهوية ؟
يقول لك: يخضعون للثقافة الغالبة أو يبحثون لهم عن بلد آخر.
كل الدول الأوربية ركزت مؤخرا على التأكيد على ضرورة التزام الأقليات بالهوية الغالبة، وأن ليس لهم مفر من ذلك. بل شن رئيس الوزراء البريطاني هجوما على فكرة التعدد الثقافي، و قال أنها سبب الفوضى و التحلل الاجتماعي.
إذن في كل مجتمع هناك ثقافة غالبة، تخضع لها كل فئات المجتمع. هذا لا يعني أن هذه الثقافة جامدة من كل النواحي، و لكن خطوطها العامة ثابتة، و لا تتغير إلا بانهيار حضاري كالذي حصل للهنود الحمر في القارة الأمريكية، و أعتقد أن المسلمين لم و لن يصبحوا هنودا حمرا!
لذلك يلزمك يا زميلي العمل داخل هذه الهوية الغالبة، نتأثر بها سويا و نغنيها سويا.
هل ينفع من الزميل تعهد شفوي فقط ؟
كقول بعضهم: ليس عندنا مشكل مع : "الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع"؟
أقول : لا
إن كنت صادقا مع مبادئك يجب أن تلتزم بالعمل داخلها، وهذا يلزمك بالتأثر بها والإجابة عن التحديات التي تطرحها عليك.
فمثلا هذه الهوية عندها ثقل تاريخي، يلزمك بحلفاء: هم الشعوب التي تتقاسم معك الهوية
وبأعداء محتملين : هم أعدائك التاريخيين والحاليين : أقصد الغرب، فلا يمكنك أن تتنكر لهذه الحقيقة، و إلا فإن التزامك صوري فقط. أو أن الغرب تغير، و هذا لا تسعفك فيه وقائع الماضي القريب و الحاضر.
هذه الهوية تلزمك أيضا أن تكون قوتك مستمدة من الداخل، و هذا لا يتم إلا بأن تحترم ثوابت المجتمع و قيمه و لا تصادمها كما يفعل بعض الزملاء.
وفي الأخير أقول لك أيها الزميل أن الصراع الفكري قدرنا داخل هذا البلد. ألا يسعك إذا أن نجعل هذا الصراع عجلة لتنمية البلد ورقيها وعودتها لمصاف الدول المتقدمة، عوض أن تكون ذَنَبًا لقوى معادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق